Wednesday, August 18, 2010

هل ستحسن آلية الاستعراض الدوري الشامل من تدني حالة حقوق الإنسان في مصر؟

معتز الفجيري

في غياب أي نظام فعَّال أو حوافز ملموسة أو متابعة جادة من جانب مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة مع الدول التي خضعت لآلية الاستعراض الدوري الشامل، فإن نجاح عملية الاستعراض الدوري الشامل لملف مصر مرهون في الواقع بمستوى الالتزام العملي للسلطات الحكومية في تنفيذ التوصيات الناتجة عن العملية، وبمدى توافر الإرادة السياسية الحقيقية لدى الحكومة لتتعاطى مع هذه التوصيات بشكل جاد، وعلى أساس من الشفافية، ووفقًا لجدول زمني قابل للقياس والتنفيذ

استحدث مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة آلية الاستعراض الدوري الشامل ، والتي بموجبها تخضع جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة كل أربعة سنوات إلى استعراض سجلها في مجال حقوق الإنسان بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. تقوم الدول بتقديم تقارير وطنية شاملة للمجلس تشرح فيها كافة الإجراءات الدستورية والتشريعية والسياسية التي اتخذتها من أجل تحسين أوضاع حقوق الإنسان، كما تتقدم المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، ومؤسسات المجتمع المدني بتقارير هي الأخرى إلى مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان الذي يعد بدوره ملخصاً حول حالة حقوق الإنسان في البلدان المعنية من واقع هذه التقارير. تمثل كل هذه التقارير مرجعية جلسة الاستعراض الدوري الشامل وينتج عنها تقرير ختامي يضم ملخص النقاشات وردود الحكومات محل الاستعراض، وأيضا يضم التقرير الختامي التوصيات التي قبلتها ورفضتها الحكومة. يتم تبني التقارير الختامية من قبل أعضاء مجلس حقوق الإنسان في دوراته العادية التي يعقدها ثلاثة مرات خلال العام. خضعت مصر لهذه الآلية في فبراير 2010، وقد تم اعتماد التقرير النهائي في الدورة الرابعة عشر لمجلس حقوق الإنسان في يونيو 2010.

في غياب أي نظام فعَّال أو حوافز ملموسة أو متابعة جادة من جانب مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة مع الدول التي خضعت لآلية الاستعراض الدوري الشامل، فإن نجاح عملية الاستعراض الدوري الشامل لملف مصر مرهون في الواقع بمستوى الالتزام العملي للسلطات الحكومية في تنفيذ التوصيات الناتجة عن العملية، وبمدى توافر الإرادة السياسية الحقيقية لدى الحكومة لتتعاطى مع هذه التوصيات بشكل جاد، وعلى أساس من الشفافية، ووفقًا لجدول زمني قابل للقياس والتنفيذ، وبالتشاور الوثيق مع منظمات المجتمع المدني المستقلة وهيئات الأمم المتحدة. ومن المؤسف أن جميع المؤشرات، قبل وأثناء وخلال الفترة القصيرة التي تلت جلسة مراجعة ملف الحكومة المصرية في مجال حقوق الإنسان في فبراير 2010، أفصحت عن افتقار الحكومة إلى الإرادة السياسية المطلوبة للإنخراط مع آلية الاستعراض الدوري الشامل بما تتطلبه من إخلاص وجدية. وبالتالي فإنه من المرجح أن تكون النتائج المترتبة على الاستعراض الدوري الشامل محدودة للغاية على تشريعات و سياسات حقوق الإنسان في مصر، لكن في مقابل ذلك فإن المجتمع المدني المصري استفاد بشكل كبير من هذه التجربة، وتمكن من تعظيم فرص النقاش العام المحلي والدولي حول معوقات احترام حقوق الإنسان الدولية في المجتمع المصري.

خلال الجلسة الرسمية في جنيف في فبراير 2010، قام الوفد الحكومة المصرية بتضليل المجتمع الدولي عن طريق التلاعب في إجراءات الاستعراض الدوري الشامل؛ ليضمن تلقي الأسئلة التجميلية خلال مداخلات حلفائها، وبشكل منهجي عمد الوفد إلى تقديم معلومات كاذبة0 وتزييف الحقائق. وقام الحلفاء المقربين للحكومة في المجلس باتخاذ جميع الإجراءات ليضمنوا أن قائمة المتحدثين سوف يتم احتلالها من قِبل ممثليهم. إن هذا التكتيك تم تطبيقه واستخدامه مرات عديدة في مجلس حقوق الإنسان من قبل عدد من الدول الأعضاء ليتأكدوا من أن حلفائهم السياسيين لن يتعرضوا لمراجعة قاسية. كما انعكس هذا الأسلوب في قائمة التوصيات التي امتلأت بتوصيات فضفاضة وتتسم بالغموض؛ إذ لا تتخذ تدابير ملموسة أو حقيقية لتحسين وضعية حقوق الإنسان في مصر. وفي الواقع، فإن السلوك المتسم بالنفاق لحلفاء مصر في المجلس ينبهنا إلى مواطن الضعف الخطيرة لآلية الاستعراض الدوري الشامل كآلية سياسية. وعلاوة على ذلك، فشل وفد الحكومة المصرية في تقديم الردود المناسبة على تعليقات واستفسارات ذات شأن تتعلق بميادين هامة عديدة مثل تطبيق حالة الطوارئ، والاعتقال التعسفي لفترات طويلة، وحرية المعتقد وغيرها من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. كذلك قام الوفد بنفي وقوع الانتهاكات، وقدم إلى المجلس معلومات كاذبة ومضللة، ونجح أيضا في تمييع نتائج عملية الاستعراض الدوري الشامل، بقبوله معظم التوصيات الغامضة والفضفاضة ورفض أو طلب تأخير الموافقة على عدد من التوصيات الهامة. كما اتخذ وفد الحكومة المصرية نهجا دفاعيا في ردوده على الأسئلة المختلفة والمتنوعة والتي عكست اهتمامات الدول الأعضاء والدول المراقبة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. ونفى الوفد بشكل قاطع العوائق الهيكلية والسياسية أمام تطبيق المواثيق الدولية لحقوق الإنسان في مصر. اتجهت معظم الردود إلى التركيز على نسب الانتهاكات إلى الثقافة المجتمعية السائدة، والتطرف، والإرهاب، وبشكل أساسي إلى الأزمة المالية العالمية. وفي حقيقة الأمر فإن هذا النهج كان متوقعًا بالفعل؛ إذ أنه يعكس الحجج التي اختارتها الحكومة في تقريرها الوطني. من خلال تطبيق هذا النهج، ترغب الحكومة في نقل رسالة زائفة إلى المجتمع الدولي فحواها أن هناك عملية إصلاح تحدث في مصر.
قبلت الحكومة المصرية مجموعة من التوصيات في مختلف ميادين حقوق الإنسان. بعض هذه التوصيات هي عميقة وجوهرية وتستجيب للاحتياجات الحقيقية المطلوبة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر؛ ولكن إذا ما تم تطبيقها بحسن نية وبإخلاص من جانب السلطات. ومع ذلك، فإن جزء كبير من التوصيات الواردة تمت كتابتها بطريقة غامضة جدًا، وفضفاضة، بل وأحيانًا بشكل متكرر. وشملت هذه التوصيات الإفراج الفوري عن أو محاكمة السجناء المحتجزين إداريا بموجب قانون الطوارئ؛ إجراء تعديل لتعريف جريمة التعذيب في قانون العقوبات وتقديم الضمانات اللازمة للتحقيق في جميع وقائع التعذيب ومعاقبة المسئولين عنها؛ رفع حالة الطوارئ والتأكد من أن أي قانون جديد لمكافحة الإرهاب سيلتزم بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان؛ تقديم الضمانات اللازمة لتنفيذ عقوبة الإعدام وفقا للقواعد التي حددها القانون الدولي؛ حماية المدافعين عن حقوق الإنسان وأن يقترن هذا بإجراء تعديلات على قانون الجمعيات الأهلية لتسهيل عملية تسجيل منظمات المجتمع المدني المستقلة وكفالة قدرتها على العمل بحرية؛ حماية الحق في حرية المعتقد والدين والاستجابة الفعّالة إزاء حالات العنف الطائفي، ولا سيما تلك التي تستهدف الأقباط؛ توفير ضمانات لممارسة الحق في حرية التعبير، بما في ذلك حرية المدونين وغيرهم في استخدام الانترنت؛ ومضاعفة الجهود المبذولة لنشر ثقافة حقوق الإنسان وتدريب المسئولين الرسميين على احترام حقوق الإنسان.
نهاية للتمييز بصفة عامة ضد المرأة، والتي تشمل التمييز ضد المرأة العاملة، ومناهضة العنف ضد المرأة، بما في ذلك العنف المنزلي والجنسي، ودعم مشاركة المرأة في السلطة القضائية وغيرها من القطاعات العامة. وتعهدت الحكومة أيضًا بسحب تحفظاتها على المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان مثل الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) ، وضمان التعاون البناء مع نظام الإجراءات الخاصة وهيئات المعاهدات في الأمم المتحدة. وأكدت التوصيات أيضا على تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك، كانت التوصيات في معظمها مغرقة في الغموض وفضفاضة بشكل مفرط.

وشملت التوصيات كذلك دعم الحصول على الرعاية الصحية والسكن والغذاء والتعليم والخدمات الاجتماعية. كما تضمنت مكافحة الفقر، والأمية، والبطالة، وضمان الحماية للجماعات المهمشة والمضطهدة. الحكومة المصرية ألزمت نفسها أيضا بحماية حقوق المهاجرين في مصر والمهاجرين المصريين في الخارج ، فضلا عن احترام حقوق اللاجئين بموجب القانون الدولي. وأخيرا، فإن التوصيات التي قبلتها الحكومة المصرية تتطلب بالتأكيد خارطة طريق مفصلة وجدول زمني لإنجاز إصلاحات حقيقية على المستويات الدستورية والقانونية والسياسية.

وكانت الحكومة أجلت البت في الموافقة على 25 توصية أخرى حتى انعقاد جلسة مجلس حقوق الإنسان في يونيو 2010، وبالفعل وافقت الحكومة على 21 توصية من هذه القائمة والتي تضم الكثير من التوصيات الجوهرية مثل وضع حد للتمييز ضد غير المسلمين، من خلال منحهم حرية ممارسة الطقوس الدينية، وإصدار قانون موحد لبناء وترميم دور العبادة. بالإضافة إلى توصيات بشأن إلغاء السجن كعقوبة لمستخدمي الإنترنت، وضمان منح المقررين الخواص بالأمم المتحدة لحقوق الإنسان حق زيارة مصر، وتنفيذ تدابير لإصدار بطاقات الهوية الشخصية وغيرها من الوثائق الرسمية الثبوتية للبهائيين المصريين، وإنشاء لجنة انتخابات مستقلة، وقبلت جزئيا رفع التحفظات على الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة. لكن رفضت الحكومة توصية تتعلق بالتصديق على البروتوكولات الاختيارية لاتفاقيات حقوق الإنسان الدولية التي تعطي الحق للأفراد في رفع شكاوي فردية أمام لجان حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في حال وجود انتهاكات لهذه الاتفاقيات، كما رفضت أيضا التصديق على البروتوكول الاختياري للاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب والذي يسمح لخبراء الأمم المتحدة المستقلون عمل زيارات دورية لتقصي أوضاع السجون ومقار الاعتقال والاحتجاز، اعتبرت الحكومة أن التصديق على بروتوكول اتفاقية التعذيب يعد تدخلاً في شؤون القضاء المصري حيث أن الحق في زيارة السجون ومقار الاحتجاز يقتصر فقط على النيابة العامة. ورغم قبوله بالتوصية المتعلقة بالإفراج عن أي شخص محتجز بسبب ممارسته للحق في التعبير وخاصة عبر الانترنت إلا أن الوفد الحكومة استمر في نفيه وجود مدونين محتجزين بسبب ممارستهم لحرية الرأي والتعبير، معتبره أن من حق كل محتجز أن يتظلم ضد قرار احتجازه أو اعتقاله. وفي الحقيقة فإن هذه المعلومة مغلوطة كلية لأن حتى هذه اللحظة لازال كلاً من المدون مسعد أبو فجر وهاني نظير محتجزون بقوة قانون الطوارئ رغم صدور العديد من قرارات الإفراج من محكمة أمن الدولة.
من ناحية أخرى رفضت الحكومة المصرية تبني 14 توصية، ولكن في الحقيقة فإن بعض هذه التوصيات تمثل التزامات قانونية دولية على الحكومة المصرية مثل تعديل المواد 102 (ب) و 179، و 308 من قانون العقوبات، والتي غالبا ما تستخدم لتقييد حرية التعبير بفرض عقوبة السجن على جرائم مثل نشر معلومات كاذبة، وإهانة الرئيس، أو تشويه سمعة العائلة، وتطبيق تشريعات وطنية للأفراد دون تمييز على أساس انتمائهم إلى أقلية دينية أو على أساس التوجه الجنسي، والتوصية الخاصة بإجراء "مراجعة وطنية للأحكام القانونية: على سبيل المثال تلك التي تجرم "الاعتياد على الفجور"، وهي تستدم في الإساءة إلى واضطهاد وتخويف أشخاص من أقلية ذات ميول جنسية أو الأشخاص المصابون بفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز"، وكذلك إزالة خانة الديانة من وثائق الدولة، بما في ذلك بطاقات الهوية، وتمرير التشريعات التي تسمح للمنظمات غير الحكومية بالحصول على التمويل الأجنبي دون الحصول على موافقة مسبقة من الحكومة، والتشريعات التي تفسح المجال أمام التمتع بحريات التنظيم والتجمع وتكوين الجمعيات، والتشريع الذي يسمح بتشكيل النقابات العمالية دون إجبارها على الانضمام إلى اتحاد عمال مصر.

وبالإضافة إلى ذلك، رفضت الحكومة أيضا إلغاء عقوبة السجن بتهمة التحريض على التمييز أو التشهير؛ أو إنهاء أشكال معينة للعنف ضد المرأة، أوالسماح بوجود رقابة دولية على الانتخابات، وإزالة خانة الديانة من على الوثائق الرسمية للدولة. وبالإضافة إلى ذلك، رفضت الحكومة توصيات تحث على إلغاء عقوبة الإعدام أو على وقف استخدامها، فضلا عن وضع حد للتمييز ضد المرأة في قانون الأسرة. قام الوفد الحكومي المصري باستدعاء حجة الخصوصية الثقافية والتقاليد؛ لتبرير رفض توصيات الأخرى مثل المساواة بين الرجل والمرأة في قانون الأسرة والميراث، وإنهاء التمييز على أساس التوجه الجنسي.

كما رفضت الحكومة 7 توصيات دعتها إلى إطلاق سراح المدونين والنشطاء الذين تحتجزهم حاليا في ظل حالة الطوارئ، وتعزيز حماية الأقليات، وعدم ترسيخ حالة الطوارئ بإصدار قانون مكافحة الإرهاب، والقضاء على القيود القانونية والبيروقراطية التي تؤثر على حق الفرد في اختيار الدين الذي يعتنقه، والترخيص لعمل مكتب للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في القاهرة ؛ بزعم أن هذه التوصيات لم تكن دقيقة أو مطابقة للواقع. لكن في حقيقة الأمر فإن العديد من هذه التوصيات الواردة تتمتع بمصداقية التقارير الدولية والوطنية والتي توثق بدقة لانتهاكات حقوق الإنسان في مصر بما في ذلك عمل هيئات الأمم المتحدة والمجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر.
وعلى الرغم من الملاحظات والتوصيات البناءة التي اقترحتها مجموعة من الدول الأعضاء والدول المراقبة في مجلس حقوق الإنسان خلال جلسة الاستعراض الدوري الشامل لمصر مثل الكتلة الأوروبية، والولايات المتحدة الأمريكية وكندا والبرازيل والأرجنتين واليابان التي استجابت بفعالية لكثير من تطلعات منظمات حقوق الإنسان المصرية؛ فإن الكثير أيضًا من القضايا المهمة كانت غائبة بشكل واضح في المناقشة أو في التوصيات. ويشمل ذلك المتطلبات الأساسية لضمان انتخابات تنافسية، وبخاصة عملية الترشيح للانتخابات الرئاسية.

وأكدت المناقشة على حرية تكوين الجمعيات وعلى الحق في تأسيس وتكوين المنظمات غير الحكومية، لكنها تجاهلت حرية الأحزاب السياسية والنقابات المهنية. وفي إطار الحوار التفاعلي، أثارت هولندا المخاوف من عدم وجود ضمانات كافية لإنشاء أحزاب سياسية جديدة. ومع ذلك، لم تعرض هذه النقطة في شكل توصية للحكومة. الولايات المتحدة أكدت على ألا ضرورة عدم إلزام نقابات العمال بالانضمام إلى الاتحاد العام لنقابات العمال، ولكن لا يمكننا العثور على أي إشارة مباشرة إلى الحرية النقابية للعمال وغيرها من حقوق العمال، وبخاصة الحق في الإضراب. كذلك لم يتم الاهتمام بالحريات الأكاديمية واستقلال المؤسسات الأكاديمية والاتحادات الطلابية. بالإضافة إلى ذلك، طالبت العديد من الدول الحكومة المصرية بأن ترفع فورا حالة الطوارئ، وأن تتأكد من أن قانون مكافحة الإرهاب المزمع سوف يكون متسقا مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. ومع ذلك، لا توجد دولة واحدة دعت الحكومة صراحة إلى إعادة النظر في المادة 179 من الدستور التي تنص على وضع قانون مكافحة الإرهاب، والتي كانت تعتبر على الدوام، من جانب المجتمع المدني المصرية وخبراء من الأمم المتحدة، كأداة لتطبيع حالة الطوارئ في المجتمع المصري، وتقويض الحماية الدستورية لحقوق الإنسان الأساسية. وعلاوة على ذلك، فإن الدول الأعضاء والدول المراقبة لم تثير القلق إزاء الإحالة المتكررة للمدنيين أمام محاكم استثنائية مثل محاكم أمن الدولة والمحاكم العسكرية. في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كان من الضروري إدراج توصية بشأن التدابير الحكومية الخاصة بالاستجابة للكوارث الطبيعية لضمان إنقاذ الضحايا وتعويضهم.
لكن بالرغم من كل القيود وأوجه القصور ومواطن الضعف؛ فإن عملية استعراض أوضاع حقوق الإنسان في مصر مثلت فرصة هامة للمجتمع المدني المصري، ليقوم بمهمته في تعزيز حيوية، وتوسيع نطاق، الجدل العام حول المعوقات الهيكلية التي تعاني منها حالة حقوق الإنسان في البلاد. وقد انعكس هذا الجدل العام على كم ونوع التغطية الإعلامية التي حظي بها موضوع الاستعراض الدوري الشامل منذ النصف الثاني من عام 2009 وحتى جلسة مجلس حقوق الإنسان الرابعة عشر والتي اعتمدت التقرير النهائي لمصر. كما تعد تجربة المنظمات غير الحكومية المصرية في التحالف والتشبيك واحدة من أهم نتائج هذه العملية، فعلى سبيل المثال نشط ملتقى منظمات حقوق الإنسان المستقلة على مدار عام ونصف في توعية الرأي العام المحلي والدولي بحقيقة أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وتقديم توصيات تفصيلية للإصلاح، كما شاركت المنظمات العضوة في الملتقى بشكل نشط في جلسات مجلس حقوق الإنسان في فبراير ويونيو، وانخرطت أيضا في حوار مع مسئولين رفيعي المستوى من الحكومة المصرية. وقد انعكس بوضوح نشاط منظمات حقوق الإنسان المصرية والدولية في شكل ومحتوى التوصيات التي قدمتها العديد من الدول الأعضاء والمراقبة في مجلس حقوق الإنسان إلى الحكومة المصرية خلال جلسة الاستعراض الرسمية في جنيف.

بادر ملتقى منظمات حقوق الإنسان المستقلة فور الانتهاء من جلسة الاستعراض الدوري الشامل في فبراير 2010 في إطلاق حملة المائة يوم لرصد أوضاع حقوق الإنسان في مصر خلال الفترة التي تلي انعقاد جلسة فبراير وحتى انعقاد الدورة الرابعة عشر لمجلس حقوق الإنسان والتي تم فيها تبني تقرير مصر بشكل نهائي. استهدفت الحملة تقصي درجة جدية السلطات المصرية في ترجمة التوصيات التي وافقت عليها في جلسة جنيف إلى واقع ملموس على الأرض. استنتج التقرير استمرار تردي حالة حقوق الإنسان في مصر، فقد تم تجديد العمل بقانون الطوارئ في مايو 2010 لمدة عامين آخرين، ولم تقلل التعديلات الطفيفة التي أدخلتها الحكومة على القانون من حقيقة أنه أحد المصادر الرئيسية للعصف بالحقوق والحريات الأساسية في مصر لاسيما الحق في الحرية والأمان الشخصي والحق في المحاكمة العادلة. التقرير رصد استمرار حالات التعذيب في مناخ من الحصانة والإفلات من العقاب، ورصد الانتهاكات الجسيمة التي شهدتها انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى والتي أجريت في يونيو 2010. أدان التقرير استمرار توظيف قانون الطوارئ لاعتقال عدد من النشطاء السياسيين والمدونين من أبرزهم مسعد أبو فجر وهاني نظير. وأخيراً رصد التقرير التدخلات الإدارية والأمنية التي تعاني منها المنظمات غير الحكومية في مصر، واستمرار التصريحات العدائية لرئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية، والمعين من قبل رئيس الجمهورية، ضد منظمات حقوق الإنسان. التقرير تم الاستناد إليه من جانب ملتقى منظمات حقوق الإنسان أثناء الدورة الرابعة عشر لمجلس حقوق الإنسان.
لا شك أن تعميق الحوار بين الحكومة والمجتمع المدني المحلي حول تحسين حقوق الإنسان هو أحد أهداف الاستعراض الدوري الشامل، لكن في الحالة المصرية يمكن القول أن الحوار تحول إلى هدف في حد ذاته، وليس مجرد أداة لتحقيق نتائج محددة، فقد حرصت الحكومة على عقد سلسلة من الاجتماعات التشاورية مع منظمات حقوق الإنسان، لكن للأسف هذه الاجتماعات خرجت بنتائج محدودة للغاية في ظل تمسك ممثلي الحكومة بنظرتهم التشكيكية في تحليل منظمات حقوق الإنسان للأوضاع في مصر، وحرصهم على تبني وجهة النظر الدفاعية والتبريرية لمشكلات حقوق الإنسان، دونما التوصل في هذه الاجتماعات إلى أية تعهدات أو التزامات محددة صوب احترام السلطات المصرية باتفاقات حقوق الإنسان الدولية. هذا الأمر جعل الكثيرين يعتبرون أن عقد مثل هذه الاجتماعات استهدف بالأساس ظهور الوفد الحكومي المصري بمظهر لائق في جنيف وتوظيفه لهذه المشاورات بشكل مضلل في مداولات مجلس حقوق الإنسان.



وأخيرًا، لقد تعهدت الحكومة بتنفيذ 140 توصية تغطي معظم مجالات حقوق الإنسان في مصر، وتعهدت الحكومة أيضاً في المجلس بتأسيس آلية نزيهة للعمل على متابعة تنفيذ هذه التوصيات بالتشاور مع المجتمع المدني، ولكن في الحقيقة فإن التراث الطويل للحكومة المصرية في إنكار تعهداتها الدولية والمحلية في مجال حقوق الإنسان فضلاً عن استمرار التدهور في الأوضاع الحقوقية على الأرض يقلل من فرص التفاؤل في مستقبل إنفاذ نتائج الاستعراض الدوري الشامل. لكن من واجب المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان الاستمرار في ممارسة ضغوطها المحلية والدولية من أجل تحقيق مكتسبات تقلل من تدني حالة حقوق الإنسان في مصر. تعد مجموعة التوصيات التي نادى بها ملتقى منظمات حقوق الإنسان المستقلة، في إطار التحضير لجلسة الاستعراض الدوري الشامل، بمثابة خريطة طريق متماسكة، ويمكن أن تكون مصدر إلهام في تقديم ترجمة فعّالة وتقدمية للتوصيات التي قبلتها الحكومة. ومن المهم أيضا الاستمرار في الضغط على الحكومة لقبول التوصيات التي لم تعتمد بعد. بل يمكن أيضا أن تتم توصية الأطراف الدولية الفاعلة، الذين لديهم اتفاقات شراكة ثنائية مع الحكومة المصرية مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بالعمل على تشجيع الحكومة على التقيد بالتزاماتها بموجب آلية الاستعراض الدوري الشامل، وأن تجد هذه الأطراف الوسائل الملائمة التي تضمن انتظام عملية تقييم تنفيذ الحكومة لتلك الالتزامات.






No comments:

Post a Comment